رواية أوتار الفؤاد اوس لمنال سالم
متهكمة بعد أن تأكددت شكوكه التي تكهن بها منذ بداية الأحداث تمتم معلقا عليه
إنت كده جيت دوغري معايا
سأله الرجل وكأنه استشعر في كلماته طوق النجاة
يعني هتسامحني يا باشا
أجابه بعد تفكير استنزف أعصابه وقد اتسعت بسمته المخيفة
طبعا بس لما أخد حقي الأول
وقع قلب الرجل في قدميه هلعا وقد شخصت نظراته على الأخير بل وتضاعف إحساسه المذعور أضعافا مضاعفة حينما نطق من بين شفتيه يأمر رجاله
لأ ارحمني يا باشا أنا قولت كل اللي أعرفه
كانت تلك آخر كلمات صړخ بها الرجل يرجوه أن يمنحه العفو قبل أن يتحرك تاركا إياه يتلقى عقوبته نتيجة جريمته التي اقترفها في حق من يخصه اشتعلت عينا أوس بوهج مرعب وتوحشت نظراته قائلا عن نبرة لا تعرف للمغفرة مفهوما
كده إنتي كتبتي نهايتك بإيدك يا رغد .............................................. !!!
توقفت أختها عن السير لتستدير نحوها رفعت حاجبها للأعلى في استنكار كبير لتنمر أختها الذي لا ينتهي وعدم تقديرها لمواقف الآخرين الشهمة معها بالرغم من أخطاء الماضي الجسيمة نفخت قائلة لها بحدة طفيفة
يا شيخة حرام عليكي بعد كل اللي عملتيه عشانك بتقولي كده عليها!
ما هو كان المفروض تكون في استقبالنا هي والمحروس ابنك.
علقت توبخها بغلظة علها تتوقف عن التفوه بسخافاتها المستفزة
احمدي ربنا إن ابني اتحمل تكاليف علاجك وأديكي شوفتي بنفسك الألوف اللي اتدفعت.
مصمصت شفتيها مرددة بسخط
الله! مش حقنا ولا هيستخسر يصرف قرشين زكاة عن نفسه
ما تقول حاجة يا عوض ولا إنت عاجبك اللي حاصل ده!
أخرج زفيرا يائسا من صدره ليرد عليها بصوته الخشن
ربنا يهديكي يا فردوس!
اغتاظت من سلبيته
التي دوما تستثير دمائها فهتفت قائلة
هو أنا قولت حاجة غلط ما هي دي الحقيقة ولا عشاني صريحة مش عاجبكم!
نظرت لها تهاني شزرا وهي ترد
خسارة الكلام معاكي خلينا نطلع بيتنا ونرتاح من مشوار السفر.
والله المفروض يخلي في عينه حصوة ملح ويشوفلنا حتة تانية نضيفة غير الهم اللي هانعيش وڼموت فيه ده ولا أنا أقل منها
رد عليها عوض وقد فاض به الكيل من تذمراتها التي لا تنتهي
هتفضلي زي ما إنتي مهما حصلك عمرك ما هتتعظي يا فردوس!
صاحت فيه بنبرتها المتهكمة
هو حرام نقب على وش الدنيا يا عوض ولا إنت عاجبك الفقر اللي هرى جتتنا ده حتى بيقولك الأقربون أولى بالمعروف!
رد باستياء وهو يضرب كفا بالآخر قبل أن يتركها ويسير بخطواته البطيئة في اتجاه المسجد القريب
لله الأمر من قبل ومن بعد
تمتمت مع نفسها بتذمر
وش فقر!
أبعدت عينيها عنه بعد أن اختفى لتعاود التحديق في الأوجه البائسة التي تمر بجوارها بدت نظراتها أكثر تأففا عن ذي قبل لتخطو بعدها في اتجاه بنايتها القديمة وهي تمني نفسها بأيام قادمة تحمل لها من زهو الحياة ورغدها ما سينتشلها من ذلك الفقر المدقع.
عملتي إيه في هالة ردي عليا!
صړخت بطة بتلك الكلمات الغاضبة في وجه والدتها الهادئ على الرغم من جدية الموقف وتأزمه بعد أن علمت بما صار بأختها. طالعتها الأخيرة بنظرات عادية فاترة وخالية من العواطف لا تنم عن اهتمام أمومي بها أشاحت بوجهها بعيدا عنها لتقول بعد تنهيدة مطولة وكأنها تستدعي الكلام على لسانها
ولا حاجة يا عين أمك.
صاحت متسائلة في انفعال
أومال هي فين والكلام اللي داير بين الخلق!!
أجابتها على مضض وعبوس واضح يكسو ملامحها
هي اللي عملت كده في نفسها وجابتلنا الجرس والفضايح
ثم تركتها لتتجه إلى المطبخ غير مبالية بالحالة العصبية المسيطرة على بكريتها اندفعت بطة في اتجاهها لتعترض طريقها سدت عليها المدخل توبخها في حنق
إنتي مش هترتاحي يامه غير لما تقضي علينا واحدة ورا التانية ومابتتعلميش أبدا من اللي بيحصلك
قست تعابير أمها لترد مدافعة عن نفسها
وأنا كان بإيدي إيه يعني
ثم أخفضت نبرتها لتتصنع الحزن الممتزج بلؤمها الخبيث عل خدعة اهتمامها بفلذة كبدها تنطلي عليها
كنت هاقف لوحدي قصاد العالم القادرة دي ده احنا حيالله ناس غلابة لا لينا في التور ولا الطحين الرك على أختك ده بدل ما تاخدي بخاطري وتقولي اجمدي يامه!
تمالكت ابنتها أعصابها المستفزة كي لا ټنفجر فيها فمن يتعامل مع امرأة قاسېة مثلها عليه أن يكون صلدا متبلدا في مشاعرخ وقادرا على التحكم في انفعالاته وردود أفعاله. أدركت أنها لن تصل معها في جدالها المحموم إلى شيء فوالدتها ستتظل على موقفها المتخاذل سواء معها أو مع إخوتها. تنفست بعمق لتستدعي هدوئها حتى لو كان زائفا ثم سألتها بصوت بدا أكثر تشنجا
وهي راحت فين على كده
أجابتها بوجه ممتقع التعبيرات
الله أعلم
هنا انفلتت أعصابها فهدرت صاړخة
يعني إيه الكلام ده أختي فين يامه رد عليا وريحيني!
أجابتها بنفاذ صبر مستخدمة يدها في التلويح
أهي راحت مع واحد تبع الباشا جوز المحروسة بنت فردوس.
سألتها بإلحاح محاولة الضغط عليها لتبوح لها بكل ما تعرفه
مين ده
ردت بزفير مستاء
واحد من اللي كانوا بيجوا مع الباشا حد شوفناه كذا مرة بس أنا معرفش هو مين!
رمقت بطة والدتها بنظرة احتوت على الكثير من المشاعر الناقمة على أسلوبها الجاف في تقدير الموقف ثم أشارت لها بسبابتها تهددها
أنا هاكلم تقى وهاعرف مين ده اللي خد أختي من هنا بس صدقيني لو حصلها حاجة فأنا مش هاسامحك ومش هاسكت!
ردت بتبرم
اعملي ياختي اللي عايزاه هو أنا هاحوشك!
ضاقت عيناها بنظرات مغلولة تحمل من العتاب واللوم ما قد يفتت الصخور الصلبة لن تتغاضى عن سلبيتها تجاه أختها ستسعى جاهدة للوصول إليها واستعادتها من جديد وستقف لها الند بالند إلى أن تأتي بحقها المسلوب وتحميها من طمعها. ابتعدت عن طريق والدتها لتعود إلى حقيبتها الملقاة على الطاولة القديمة فتحتها لتفتش بين محتوياتها عن هاتفها المحمول وما إن وجدته حتى هاتفت تقى وسألتها على الفور بعد ترحيب موجز بها عما تعرفه عن أختها بدت الأخيرة مشغولة بهمومها ولم يصل إلى مسامعها ما يتعلق ب هالة ومع ذلك وعدتها بالوصول إليها شكرتها بطة راجية إياها بنبرة مستعطفة
أمانة عليكي تطمنيني عليها لو عرفتي أي حاجة إنتي عارفة هي غالية عندي إزاي واعتبريها زي أختك وأنا مش هنسالك المعروف ده أبدا.
ردت عليها تقى برقة
حاضر أنا هاكلم أوس وأفهم منه كل حاجة وأطمنك وماتقلقيش طالما حد تبعه يبقى هي في أمان
ربنا يباركلك يا رب معلش يا حبيبتي دايما لبخاكي بمشاكلي أنا وإخواتي.
كانت صوتها ناعما حينما عقبت عليها
ماتقوليش كده احنا عيلة واحدة.
نردهالك في الفرح دايما تسلميلي يا رب.
قالتها بطة وهي تنهي معها المكالمة بعد أن شكرتها بامتنان مضاعف واعتذرت لها عن إزعاجها المتكرر وتوريطها في مشاكل لا تخصها. كانت
تقى متفهمة لخۏفها الطبيعي والغريزي على أختها بل وأكثر دراية بما تتكبده لحمايتها من جشع والدتها المستمر الذي لا يهدأ أبدا لذا كانت أكثر حرصا على تقديم يد العون لها دون كلل أو ملل.
صڤعة قاسېة كانت جارحة لكرامته ومستهينة بمشاعره تحملها مرغما أثناء توبيخ ابن عمه العڼيف له بعد أن عرف بما فعله مؤخرا بتلك المراهقة أثناء انشغاله بالمستجدات التي تخص عائلته. اغتاظ أوس من تجاهله لتعليماته وتصرفه من تلقاء نفسه دون الرجوع إليه واستشارته أولا فعامله بقسۏة منقطعة النظير وما زاد الطين بلة مكالمة تقى له. وبالرغم من الإهانات اللاذعة التي تعرض لها إلا أن يامن ظل صلبا شامخا رافعا لرأسه في ثبات عجيب ولو أعيد به الزمن لكرر نفس الفعلة لإنقاذها من شفير المۏت اخشوشنت نبرة ابن عمه وهو يتوعده
مش هاعديلك اللي عملته ده يا يامن!
استجمع جأشه ليرد غير مبال
وأنا مش فارق معايا لأني مكونتش هاسيبها هناك لحد ما تعمل في نفسها حاجة
علق عليه بغلظة
فكرك أنا مش عارف باللي يخصها
لم يرد عليه وظلت نظراته مسلطة على وجه ابن عمه الحانق بينما تابع أوس مرددا بخشونة
عيوني عليها وعليك في كل مكان ودبة النملة بتوصلني حتى لو كنت فين!
ثم توحشت نظراته حينما أضاف
وأنا عارف إزاي أجيبلها حقها.
خرج يامن عن صمته ليعاتبه قائلا بحدية متعصبة
ولما إنت عارف كل حاجة كده مجبتش حقها ليه من الكلب اللي أذاها أو حتى منعته يقرب منها!
هدر به صائحا بصوته الجهوري الذي أخرسه
يامن!
أطبق الأخير على شفتيه كاظما حنقه مؤقتا كي لا يستفز الۏحش الكاسر الكائن بداخل ابن عمه فيثور عليه عكست تعبيراته المشدودة ما يدور بداخله من ثورة مستعرة تزداد تأججا مع مرور الوقت راقبه أوس ببرود تام ثم سحب نفسا مطولا حپسه للحظة في صدره قبل أن يحرره دفعة واحدة. استقام في وقفته يرمق يامن بعينين غاضبتين لا تقبل بالغفران اقترب خطوة منه ليربت على كتفه بقوة وهو يقول له عن ثقة مؤكدة
قريب أوي هاتشوف.
تدارك يامن غضبه وسيطر عليه لحظيا قبل أن يتعهد له
ماشي مستني أشوفك هاتعمل ايه يا باشا بس لو إنت ماتصرفتش فأنا مش هاسكت!!
كان أوس على وشك التهور عليه لاستخفافه بقدراته اللا محدودة واشتدت بالفعل قبضته على كتفه لكنه ما لبث أن تخلى عن اندفاعه ليسأله مباشرة وقد غامت عيناه
ومش هاتسكت ليه هي تخصك في حاجة
أجابه دون تفكير
أيوه..
بات إلى حد ما متأكدا من التكهنات التي تساوره بشأن وجود علاقة تربطه بها تركز بصره عليه يسأله مراوغا
ليه يعني ما هي واحدة زي أي واحدة بتعطف عليها و..
نجح ببساطة في استفزازه بكلماته الموحية وإخراجه عن سكوته الزائف ليعترف بما يخبئه عنه فهتف يامن مقاطعا إياه بتردد ندم عليه لاحقا
لأنها.. تهمني!
أبعد أوس يده عن كتفه ليدس قبضتيه في جيبي بنطاله انتصب في وقفته أكثر وطالعه