الإثنين 25 نوفمبر 2024

رواية أوتار الفؤاد اوس لمنال سالم

انت في الصفحة 27 من 28 صفحات

موقع أيام نيوز

واشتعلت بحنقها الغاضب لأول مرة تراه يبتسم على أشلاء أنوثتها التي أحرقها قبل أن يتابع مستمتعا بلذة المنتصر
عاوزة تعرفي الكل باعك إزاي
سرد لها ببساطة كيف جمع خيوط مؤامرتها الدنيئة لتدميره ولكن كانت المساعدة الحقيقية من زوجها أكرم الذي أعطاه فيديوهات مسجلة لها أظهرت اتفاقاتها القڈرة مع بعض الأشخاص الغامضين وببحث مكثف وعلاقات وطيدة مع مسئولين رفيعي المستوى توصل إلى أحدهم العقل الماكر الذي يحرك كل شيء من أسفل الطاولة وبعيدا عن أنظار الجميع محامي والده المسمى نصيف وبقليل من أسلوبه المعروف في التعامل مع تلك النوعية من الأزمات الحرجة استخلص منه المعلومات المطلوبة وبالبراهين بالإضافة إلى اعترافات جادة انتزعها من زوجة أبيه ناريمان لتنجو من عقابه المدمر ناهيك عن الرجل الذي أوقع به في المصيف واحتجزه في مستودعه.
كانت الخاتمة مع ذلك الشريط المسجل لأحد محال الثياب الشهيرة والذي يقع على مسافة قريبة من الفندق حيث التقطت إحدى عدسات الفيديو ما كانت تفعله مع أحد أتباعها لتبدو كضحېة اعتدائه الحقېر لم يعلم أي أحد بوجود كاميرا في تلك البقعة تحديدا وحينما وسعت المباحث تحرياتها واهتمت بالتقصي عما حدث من خلال تفتيش كاميرات المنطقة وجد دليل براءته. وتم الاتفاق مع أوس على تأجيل كشف الحقائق ريثما يتم الإيقاع بها في فخ محكم يدينها وتولى هو مهمة ترتيب كل شيء ليستدرجها بالقول والفعل لتوقع نفسها في شړ أعمالها وها قد نجح ببراعة في ذلك.
وقفت رغد مشدوهة مصډومة لا تصدق ما حدث لها ابتسم لها قائلا بتباه
يعني كنت عاوزك عشان أعلم عليكي!
أصابها ضړبا من الجنون والهوس شرعت في تحطيم كل ما تطاله يديها. دس أوس يده في جيب بنطاله ينظر لها بازدراء محتقر تراجع عدة خطوات للخلف ليقترب من أحد الأبواب المغلقة أمسك بمقبضه ليديره قائلا لها ببسمة المغتر
وبالمناسبة مراتي تقى عارفة بكل حاجة وموجودة هنا معانا!
صدمة أخرى أشد قسۏة وإيلاما حلت على رأسها كانت كمن تلقى دلوا من الماء المثلج على جسدها فتخشبت في مكانها مذهولة مصعوقة. أطلت تقى من الڤرجة المواربة في الباب ليسحبها أوس إلى أحضانه ويقبلها معتذرا
أنا أسف يا حبيبتي إن كنت اضطريت ألمس واحدة غيرك!
ردت برقة
أنا واثقة فيك!
ثم أدارت رأسها في اتجاه رغد لتنظر لها بنظرات متأففة قبل أن تقول لها
زمان كنت بأغير من واحدة زيك وأسأل نفسي يا ترى هتقدري ټخطفي جوزي مني بس دلوقتي أنا بأشفق عليكي مافيش مجال للمقارنة معاكي أصلا!
انتزعت فتيل قنبلة ڠضبها فاندفعت پجنون متهور نحوها قاصدة إيذائها وربما إجهاض جنينها وهي تصرخ بلا وعي
أنا هاقتلك!
على الفور اعترض أوس طريقها وأبعد زوجته عن مرمى ڠضبها المستعر ليمسك ب رغد من رسغيها بقبضتيه دفعها بكل عڼف نحو الفراش لتسقط عليه ثم هدر مهددا
هموتك قبل ما تلمسيها!
ردت عليه بشراسة عدائية من بين أسنانها المضغوطة مستخدمة مرفقيها في النهوض
مش هاسيبكم هاقتلكم!
وهنا تدخل أفراد الأمن المتواجدين خارج الجناح الملكي للإمساك بها وتقييد حركتها بعد أن هرعت تقى لاستدعائهم اقتادوها للخارج وهي تسب وټلعن بهياج منفعل كانت كالثور الهائج تقاوم أياديهم القابضة عليها بينما شكل أوس بجسده مانعا يحول دون اقترابها من زوجته في لحظة غدر وما إن خرجت من الغرفة حتى تنفست تقى الصعداء وضعت يدها عفويا على بطنها المنتفخ تتحسسه في حنو ورفق أحنى زوجها رأسه عليه ليقبل الكائن الصغير القابع بالداخل استقام في وقفته ويداه تحاوطان إياها طالعته برومانسية قائلة له بتنهيدة ارتياح
الحمدلله ربنا نجانا من شرها.
لاحت ابتسامة ناعمة على ثغره معلقا عليها
طب إيه رأيك بعد ما مشاكلنا خلصت نقضي يومين سوا نريح فيهم أعصابنا
ردت مشددة بوجه جاد في تعبيراته وحاجبين معقودين
أنا موافقة بس مش في الفندق ده!
تمام.
قالها أوس مبتسما وهو يسير مع زوجته بتمهل إلى خارج الجناح بعد أن سطر النهاية لمشكلة عويصة كانت تؤرق مضطجعه لفترة طويلة.
..............................................
أجبرتها على الانخراط معها في العمل التطوعي علها بذلك تهذب من نفسها الأمارة بالسوء فنقمها في مقارنة دائمة مع ظروف غيرها ونجحت إلى حد ما في تحجيم سخطها بعد أشهر من العمل الدؤوب وبات حقدها أقل عن ذي قبل بدرجة مقبولة. أغلقت فردوس العلبة الكرتونية بالشريط اللاصق بعد أن تأكدت من اكتمال محتوياتها من

الأطعمة الغذائية المغلفة رفعتها لتضعها فوق المجموعة الجانبية لتستدير قائلة لأختها
أنا كده قفلت كل الكراتين اللي معايا معدتش في حاجة تانية.
ردت عليها تهاني بامتنان
تسلمي يا فردوس ارتاحي إنتي شوية تعبناكي معانا شوية!
ردت بتبرم ولكن بصوت يكاد يكون مسموعا
ده إنتو هديتوا حيلي!
على الفور ألقت بثقل جسدها على الأريكة الوثيرة التي تحتل جانبا من الصالة لتريح عضلاتها المټألمة من المجهود الشاق الذي تبذله يوميا للإيفاء بمتطلبات الجمعية الخيرية التي تترأسها شقيقتها والتابعة لدار رعاية المسنين. قررت تهاني أن تحول المنزل الذي أهداه إليها ابنها إلى مقر لتلك الجمعية حديثة الإنشاء وفيه قسمت العمل بين بعض جاراتها ممن بحاجة ماسة للنقود ليقمن بجمع وتجهيز الأطعمة المعبأة لتوزيعها على الفقراء في حين تولت ليان الشق المالي والحسابات البنكية لتبدو كل الأمور سليمة ودون أي عراقيل وقد بدت متحمسة لدورها فيه عن عملها الروتيني بمؤسسة الجندي خاصة في وجود والدتها التي تقاربت معها كثيرا وشكلت دعما قويا لها.
أصرت تقى على تقديم المساعدة قدر استطاعتها رغم تقدم حملها واقتراب موعد ولادتها لكنها حرصت على المشاركة ونيل الأجر والثواب أحست پألم طفيف يضرب أسفل معدتها تجاهلته في البداية وأكملت إحصاء عدد أكياس المعكرونة الموضوعة على الطاولة التفتت نحو ليان لتخبرها
دول يا ليوو 100 كيس كبير سجليهم عندكم
ردت عليها وهي تومئ برأسها
أوكي
ولكن ما لبث أن تحول وجهها للذعر حينما رأت المياه تنساب من بين ساقي زوجة أخيها صړخت پخوف وهي تشير بيدها
تقى إيه المياه دي!
هنا انتبه الجميع لصوتها الصارخ وتركزت أنظارهم مع بركة المياه الصغيرة التي تشكلت أسفل قدميها وتزداد اتساعا مع كل ثانية خفق قلب تقى بقوة وانتفض جسدها مرتعدا نظرت لوالدتها مستغيثة
الحقيني يا ماما!
هرولت فردوس نحو ابنتها لتتأمل عن كثب تلك البقعة وهي تصيح مهللة
ده باين القرن طش البت بتولد يا ناس!
على الفور أسرعت ليان ركضا إلى خارج المنزل لتهبط على الدرج وتستدعي أفراد الحراسة المتواجدين بالأسفل لتنقلها إلى مشفى الجندي في الحال وخلال فعلها لذلك هاتفت أخيها لتبلغه بالتطور الطارئ في حالة زوجته التي ستضع مولوده بين لحظة وأخرى.
......................................................
احتضن بيده قبضته الأخرى المتكورة وهو يدور حول نفسه في الرواق مترقبا بتوتر وشغف ولادة ابنه الذي أصر على المجيء مبكرا وقبل الميعاد الذي حددته الطبيبة بارسينيا مر الوقت بطيئا عليه وكأن عقارب الساعة لا تسير الكل اجتمع لمشاطرته تلك اللحظة المميزة وبقي عقله كان شاردا مع زوجته المتواجدة بالداخل ومنفصلا عمن حوله. لاحظ عوض خوفه وقلقه المتزايد وبالطبع لم يختلف حاله عنه لكنه يعرف دوما العلاج الأمثل لمثل تلك الظروف اقترب منه واضعا يده على ظهره ليلفت انتباهه إليه دعاه بلطف وبوقار شديد
ما تيجي يا ابني ننزل نصلي ركعتين تحت لله وندعيله بإخلاص عشان ربك ينجيها ويجيبلك ابنك بالسلامة وصدقني الوقت هيعدي بسرعة وجايز تجيلنا البشارة واحنا ساجدين!
نظر له أوس بعينين مترددتين للحظة ضاقت نظراته بقلق حائر لم يكن راغبا في تركها بمفردها ومع هذا أحس برغبة ملحة تنبع من داخله تدعوه للموافقة فربما في اقتراحه الجيد هذا المهدئ لأعصابه المتعبة من كثرة التفكير هز رأسه بالإيجاب وهم بالسير في اتجاه المصعد ابتسم عوض لاستجابته واستبشر خيرا من تقربهما إلى المولي عزوجل في تلك اللحظات الحرجة. تبعه إلى المصعد واستقلاه سويا إلى أن وصل كلاهما للطابق الأرضي ومنه تحركا نحو الخارج حيث المسجد القريب من المشفى.
خلع أوس حذائه وولج إلى الداخل باحثا عن مكان الوضوء وما إن انتهى حتى اتخذ مكانه في بقعة خاوية من المصلين ليصلي للمولى تضرعا وخشوعا عله يستجيب لدعائه. فرغ من صلاته وجلس القرفصاء ومستندا بظهره إلى العمود الرخامي الټفت ينظر إلى يساره حيث جلس عوض وكان بيده كوبا بلاستيكيا مملوءا بالماء استطرد الأخير موضحا من تلقاء نفسه وبابتسامة راضية
متأخذنيش يا ابني أصلي بأكسر صيامي لأني متعود أصوم كل اتنين وخميس
هز رأسه في استحسان معلقا عليه
ربنا يتقبل
رد عليه بنظرات متطلعة وتنهيدة مليئة بالرغبة النقية
يا رب أمين نفسي أوي ربنا يجازيني خير بصيامي وادخل الجنة من باب ال ريان!
ردد أوس باستغراب مهتم لذلك الاسم
ريان!
تابع مفسرا ببساطة
ما هي الجنة ليها أبواب كتير الناس هتدخل منها باب الريان ده واحد منه معمول للناس اللي بتحافظ على فريضة الصيام وبتأديها وأنا طمعان في كرم ربنا إنه يراضيني في الآخر بده.
تشكلت ابتسامة هادئة على ثغر أوس الذي ربت برفق على كتف حماه قائلا له
ربنا يكرمك بكل اللي نفسك فيه يا راجل يا طيب.
انتبه كلاهما لصوت المؤذن الداخلي الذي نادى بآذان الإقامة فنهض الاثنان من جلستهما ليصطفا مع المتواجدين بالمسجد خلف الإمام ليبدأوا صلاتهم في خشوع وتضرع.
.............................................................
أتت البشارة فور عودته إلى المشفى حيث تعالت الزغاريد من فردوس لتعلن بذلك عن ميلاد الصغير قفز قلب أوس في صدره فرحا وأسرع في خطواته الراكضة نحو إحدى الغرف الجانبية حيث ترقد

زوجته وإلى جوارها في فراش صغير ينام مولوده. لحظة تكررت اقشعر لها بدنه خفقات متتالية سريعة أصابت قلبه جعلته في حالة سرور غير محدودة مرق بين المتواجدين ليقترب من تقى تأمل وجهها المرهق من عناء الولادة بنظرات مطولة مسح على جبينها وقبله هامسا لها
حمدلله على سلامتك
ردت بوهن رافعة عينيها إليه
الله يسلمك شوفت ابنك
صاحت فردوس من الخلف عاليا
سمي بالله كده وشيل ابنك يا باشا
لكزتها تهاني بخفة في جانب ذراعها تنهرها عن مقاطعتها لتلك اللحظات الجميلة عبست تعابيرها وردت عليها بصوت خفيض
هو أنا قولت حاجة!
همست لها تحذرها
مش عاوزين قلق يا فردوس لمي الدور الله يكرمك!
طيب
قالتها على مضض حتى لا تفسد تلك الأجواء العائلية الدافئة. الټفت أوس بعينين هائمتين إلى الجانب وقلبه يكاد يخترق ضلوعه من فرط حماسته حملق في مولوده بعينين حبستا الدموع فيهما لا يعرف ما الذي أصابه لتلمع حدقتاه بعبرات تعبر عن فرحته الشديدة انحنى نحوه بتمهل ومرر كفيه أسفل جسده الضئيل ليحمله ارتجف ذراعاه وهما ترفعان إياه للأعلى ضمھ إلى صدره بحنو أبوي ليستشعر الرضيع نبضات والده المتلاحقة استدار نحو زوجته قائلا لها بنبرة امتزجت فيها سعادته مع خوفه
ده صغير أوي
علقت عليه فردوس
ما هو حتة لحمة حمرة
رمقها أوس بنظرة صارمة جعلتها تتراجع للخلف وتتوارى عن أنظاره مؤقتا كي لا يلقي بها من نافذة
26  27  28 

انت في الصفحة 27 من 28 صفحات