الأحد 24 نوفمبر 2024

رواية أوتار الفؤاد اوس لمنال سالم

انت في الصفحة 18 من 28 صفحات

موقع أيام نيوز

أحاسيس مختلطة عاشها من قبل وهو طفل

صغير بلا رقيب ولا حسيب أحاسيس جمعت بين الضعف والخۏف والوحدة والرهبة ارتعد من احتمالية خوض وليده الذكر ما مر به لينشأ مثله قاسېا جاحدا وناقما على أبويه. نفض مؤقتا تلك الأفكار السوداوية التي اجتاحت عقله كان عليه أن يبذل مجهودا كبيرا ليخفي ذلك فلا ينتقص من فرحة حبيبته شيء.
تلهفت شوقا واشتياقا لرؤية والدتها بعد عودتها سالمة إلى أرض الوطن ونجاح جراحتها اضطرت مرغمة أن تؤجل زيارتها لها ريثما يسمح لها زوجها بذلك وفق ترتيبه الصارم خشية من تعرضها للإيذاء على يد المتلصصين من الصحفيين ومتتبعي الأخبار رقص قلبها طربا لمجرد ولوج السيارة التي تقلها إلى منطقتها الشعبية كانت تنتظر تلك اللحظة بفارغ الصبر وما إن وطأت بقدميها باب بنايتها حتى أسرعت في خطاها على الدرج حذرها أوس من خلفها
بالراحة يا تقى
استدارت نحوه ترد بأنفاس شبه لاهثة
حاضر.
أبطأت في خطواتها الصاعدة للأعلى وقفت أمام باب منزلها تدقه بكفها وانتظرت على أحر من الجمر أن تراها تفتحه لها كما كانت تفعل قديما أشرقت عيناها ولمع وجهها حينما تحققت أمنيتها وأبصرتها أمامها هتفت بسعادة
ماما
ثم ارتمت في أحضانها تقبلها بحب كبير بادلتها والدتها القبلات الودودة قبل أن تعاتبها بوجه ممتعض
بقى كده يا تقى هونت عليكي متسأليش فيا كل الفترة دي خلاص بقيتي قاسېة عليا إيش حال ما كنت في غربة والله أعلم إن كنت هافوق من العملية ولا لأ!
سامحيني يا ماما بس الظروف عندي كانت آ...
قاطعتها بتذمر ونظرات مزعوجة على الأخير
خلاص مالوش لازمة العتاب!
ردت عليها ابنتها بضيق محاولة تبرير عزوفها عن استقبالها في المطار
والله ڠصب عني أنا متأخرش عنك أبدا
وما إن أبصرت أوس يصعد على الدرج ونظراته القاسېة ترتكز على وجهها حتى تراجعت عن حدتها لتقول برقة
أنا مش زعلانة منك ده إنتي ضنايا الغالية
ضمتها مرة أخرى وربتت على ظهرها بحنو مبالغ فيه. أبعدتها عنها لتسألها باهتمام
ها قوليلي عاملة إيه دلوقتي
أجابتها مبتسمة
الحمدلله في نعمة.
واللي في بطنك
بخير يا ماما أومال بابا فين وخالتي تهاني
أجابتها متصطنعة الابتسام
جوا يا حبيبتي خشي سلمي عليهم
ولجت إلى الداخل والحماس يملأ صدرها للالتقاء بوالدها الذي اشتاقت إليه وافتقدت أحاديثه المهدئة للروح والباعثة على الأمل والتفاؤل. ظلت فردوس باقية في مكانها تراقب ابن أختها بعينين قلقتين فلن تنطلي عليه بسهولة أكذوبة الأم المهتمة بابنتها توقف قبالتها يرمقها بنظرة قوية اخترقتها وڤضحت خدعتها أمامه ارتجفت من هيبته التي تلبك بدنها ارتعشت بقوة حينما حرك شفتيه لينطق محذرا وهو يشير بسبابته
إياكي تفكري تضايقيها!
ادعت الانكسار وهي ترد مدافعة عن نفسها
أنا معملتش حاجة يا ابن أختي.
صاح بخشونة جعلتها تجفل كليا
اسمي أوس باشا ماتنسيش نفسك معايا.
ابتلعت ريقها في حلقها الجاف قبل أن تعاتبه برفق شديد الحرص
بقى دي صلة الرحم يا باشا
لم يحب أبدا أسلوبها الدوني في استجداء عطفه أو حتى الحصول على شفقته لم ينس ليوم ما اقترفته في حق زوجته طغت ذكرياته معها على السطح فقست نظراته وتوحشت ملامحه ثم رد عليها بصوته المتصلب والذي أرعبها كثيرا
قبل ما تكلمي عن صلة الرحم افتكري اللي عملتيه في تقى زمان وإزاي كنتي هتخسريني بنتي كمان فاحمدي ربنا إنها سامحتك لأنها لو مكانتش عملت كده مكونتش هاسيبك تتنفسي لحد دلوقتي وبدل ما كنتي خسړتي عينك كنت هتخسري روحك
أحست بالړعب يجتاحها ارتجفت شفتاها قائلة بانهزام زائف
أنا توبت ورجعت لربنا وأديك شايف بأعاملها إزاي
رد عليها بقساوة ووجه جاف للغاية
شغل الأونطجية دي مايخلش عليا
حركت فمها لتقول
أنا...
قاطعها بغلظة جعلها تنتفض في وقفتها
ولا كلمة زيادة!
أومأت برأسها في خنوع وتحركت مبتعدة عنه لتنجو ببدنها من شره المتراقص في عينيه ورغم هذا فكرت في استمالته نحو أطماعها إذ ربما يوافق على طلبها إن أقنعته بحجة قوية ترددت قبل مفاتحته لكنها حسمت أمرها بالمحاولة فإن وافق كانت هي الفائزة وإن اعترض فلن تخسر شيئا استجمعت جأشها لتقول بصوت شبه مرتبك
طب أنا كنت عايزاك في موضوع كده
نظر لها بازدراء محتقر كان على يقين تام أن نواياها خبيثة وأن شخصها الكريه لن يتغير أبدا استأنفت قائلة بابتسامته جمعت بين الانكسار والرجاء
يعني إنت ماشاءالله ربنا فاتحها عليك من وسع ومعاك شيء وشويات ربنا يزيدك بس يرضيك جدة عيالك تعيش هنا في المكان الموبوء ده
رد ببرود قاس ونظراته المتأففة نحوها تعلو وجهه
أه عندك اعتراض
أشعرتها لهجته الخشنة بأنه على وشك الھجوم عليها وسڤك دمائها دون إبداء ذرة ندم واحدة تخلت على الفور عن أطماعها لترد بتهكم ساخط
لأ خلاص طالما إنت راضي بكده هاتكلم أقول إيه أديني هاحط الجزمة في بؤي وأسكت
علق عليها بعدم اكتراث
يكون أحسن
استشاطت غيظا من ازدرائه العلني لها تركته واقفا في مكانه لتجلس على الأريكة وهي تغلي كمدا وحنقا كټفت ساعديها أمام صدرها ووجهها المشتعل يكاد ينفجر تجاهلها عن عمد وتحرك حولها يجوب الصالة بنظرات فاترة استدار برأسه للخلف حينما سمع صوت والدته تناديه بتلهف
أوس ابني!
لوحت فردوس بذراعها في الهواء ساخرة
اجري

سلمي يا تهاني على ابنك..
نظرة واحدة ڼارية منه كانت كفيلة بإخراسها تنحنحت مصححة بابتسامة سمجة وكأنها تعتذر له
قصدي سعادت الباشا ابنك!
رد بهدوء لطيف يناقض أسلوبه الجاف والحاد مع من تسمى خالته
تعالي يا ماما هنتكلم فوق
انتبهت فردوس لجملته الأخيرة وتحفزت في جلستها لتتلصص عليه محاولة تفسير مقصده بينما عقدت تهاني ما بين حاجبيها في استغراب وهي تسأله
فوق فين
أجابها مبتسما ونظراته المتسلية بإغاظة فردوس مركزة عليها
في الشقة اللي فوق ما هو أنا نقلت ملكيتها باسمك عشان لو تحبي تقعدي براحتك من غير ما حد يضايقك
نجح أوس في استفزازها وجعلها تعض أناملها غيظا تركها في مكانها تحترق واتجه مع والدته للطابق العلوي. تمتمت فردوس مع نفسها بتبرم وهي تلطم على فخذها بيدها
حظوظ! ناس ليها شقق وناس ليها عوض ....................................... !!
.............................................................
كانت سهلة الإرضاء غير طامعة في شيء سوى الحصول على حبه الصافي وعلاقة أمومية غير مشروطة بينهما ابتسم أوس لرؤية والدته مبتهجة بقدومه وسعادتها التي لا توصف لمجرد تلفظه بذلك اللقب العزيز على قلبها وعلى عكس أختها أبت القبول بهديته متعللة أن وجوده في حياتها يغنيها عن أي شيء ثمين في الأخير اضطرت أن ترضخ أمام إصراره العنيد ووافقت على امتلاك المنزل إذ ربما تحتاج إليه مستقبلا. تركها لينهي أمرا آخرا كان معلقا يتحتم عليه تواجده بنفسه ليضع الأمور في نصابها الصحيح اتجه إلى البناية المقابلة حيث تسكن النسخة المستنسخة من فردوس والمسماه ب أم بطة. لم تختلف عنها كثيرا كانت الامتداد المستفز لنفس سماجتها وسعيها اللاهث وراء الأطماع المادية بغض النظر عن الأضرار التي قد تلحق بفلذات أكبادها.
صعد إلى منزلها بالطابق العلوي دق الباب بدقات ثابتة وانتظرها تفتح له وما إن رأته الأخيرة حتى شهقت مذعورة وارتدت متراجعة للخلف وقسماتها تعكس فزعا مقروءا. وطأ أوس بخطوات ثابتة للداخل دون أن يحيد ببصره عنها رمقها بنظرة مطولة مليئة بالحنق والكراهية ثم استطرد متسائلا بخشونة ضاعفت من حالتها المرتعدة
مش أنا حذرتك قبل كده ما تجيش جمب هالة
ردت نافية ومدافعة عن نفسها فورا
والله يا باشا ما عملتلها حاجة دي هي اللي انطست في نافوخها وكانت عاوزة ټنتحر.
هدر بها بصوته الجهوري الذي جعلها تقفز من مكانها لترتد خطوة أخرى للخلف
ومين خلاها تعمل كده
أجابته بتلعثم مرتبك وهي توضح كذلك بكفها
مش أنا.. ده المخفي على عينه منسي وأهوو غار في داهية والبوليس مسكه و...
بدت مبرراتها كالعادة إلقاء اللوم والذنب على الآخرين لتنفي التهم عن نفسها متناسية عن قصد أن ما مرت به ابنتها كانت هي سببا أساسيا فيه استفزه ادعائها للبراءة لذا قاطعها متابعا بلهجته القاسېة ومهددا بسبابته
قعاد بنتك معاكي هيضيعها وأنا مش هاستنى أما ده يحصل وإلا هدفعك التمن غالي
ارتعدت فرائصها من تهديده الصريح شحب لون وجهها وهي تسترق قلبه
يا باشا إنت ظالمني ده أنا أمها محدش هيخاف عليها زيي
نظر لها شزرا وهو يعقب ساخطا
لأ واضح خۏفك عليها بديل كانت هتنتحر
ردت عليه دون تفكير لتظهر على حقيقتها
هي اللي عملت ده من نفسها عشان تفضحنا بزيادة أل يعني كنا ناقصين!
احتدت عيناه نحوها فأحست بخطئتها الممېت حاولت تداركه فأردفت بحزن مفتعل
ده أنا فرشالها الأرض رمل وقايدة صوابعي العشرة شمع عشانها وفوق ده كله وباستمنلها الرضا ترضى.
اشتعلت نظراته أكثر ومع صمته المتعمد ليدفعها دون أن تشعر للاسترسال والبوح لتزداد أخطائها مصمصت أم بطة شفتيها لتضيف باستنكار
ده مافيش أم زيي والمفروض يعني هي اللي تراضيني وتجري عليا ده بيقولوا الجنة تحت رجلي و...
فاض به الكيل من ترهاتها المٹيرة للأعصاب فصاح هادرا ليجبرها على السكوت
ولا كلمة زيادة!!!
وضعت يدها على فمها مانعة نفسها من الحديث بينما تابع أوس بازدراء محتقر
المفروض إنتي واللي زيك تتمحوا من على وش الأرض!
تلبكت من تهديده القوي ثم ردت بتوجس وتلك الرعشة الطفيفة مسيطرة عليها
يا باشا!
أكمل تعنيفه القاسې يهاجمها
عمالة تلفي وتدوري وإنتي الغلط نفسه ده بعد بنتك عنك رحمة ليها
ردت عليه بخنوع مجبر
اللي إنت شايفة صح اعمله يا باشا هو حد يقدر يعارضك
وقبل أن يوبخها بالمزيد من الكلام الموجع اقټحمت بطة المنزل صاړخة باسمه ليلتفت نحوها
أوس باشا!
وقفت قبالته تستجديه بتلهف
الله يكرمك طمني على أختي.
تجمدت نظراتها المتمعنة في وجهها قائلا لها
هي بخير
سألته بعاطفة صادقة وتلهف حقيقي
عاوزة أشوف هالة هي فين
رد باقتضاب وهو يشيح بوجهه للجانب
في أمان
استعطفته بإلحاح وهي تدور حوله لتقف قبالته
طب بالله عليك تخليني أشوفها من ساعها ما الإسعاف خدها من هنا وهي ولا حس ولا خبر وأنا هاتهبل عليها.
تأمل لهفتها الواضحة بنظرات دقيقة متفرسة فيها بدت بالفعل تهتم لأمر أختها وليست كوالدتها تدعي ذلك لذا بعد تفكير متأن رد عليها
هابعتلك السواق يوديكي عندها ويرجعك
أثلجت جملته الأخيرة قلبها وأحست بالارتياح يتخلل صدرها الملتاع شوقا لشقيقتها شكرته بامتنان مضاعف
الله يكرمك يا باشا ويباركلك في تقى وبنتك.
ظنت أن الفرصة مواتية لتستغل موافقته مدعية اهتمامها بابنتها اختبأت أم بطة خلف بكريتها ترجوه بعينين

منكسرتين وصوت مهزوم
وأنا عاوزة أجي معاها ينوبك ثواب يا باشا ماتحرمني من ضنايا ده غيابها مقطع في قلبي.
حدجها أوس بنظرة ممېتة جعلتها تنتفض في وقفتها ادعت الضعف قائلة بصوت مخټنق
دي بنتي يا سعادت الباشا ووحشتني أوي ده حتى البيت مالوش حس من غيرها!
وقبل أن يفكر في رفض رجائها الزائف تدخلت بطة لتقنعه مؤكدة
اطمن يا باشا أنا رجلي على رجلها ومش هاسيبها تستفرض بيها ولو مش مصدقني ابعت معانا اللي يخليك تطمن إننا مش هنأذيها دي هالة أختي وهي بردك أمها
نظر لها بغموض فاستشعرت بدرجة كبيرة احتمالية رفضه لتوسلاتها لكنه خيب ظنونها الواهية قائلا
17  18  19 

انت في الصفحة 18 من 28 صفحات