الأحد 24 نوفمبر 2024

رواية أوتار الفؤاد اوس لمنال سالم

انت في الصفحة 23 من 28 صفحات

موقع أيام نيوز

كليا في حلقه محاولا لملمة شتات نفسه المرتعدة اعتدل في رقدته وزحف مبتعدا عن أقدامه وهو يبرر بتلعثم عله ينجو من بطشه
ريس شادوفة أنا ....
فرك الأخير يديه الجافتين بتمهل متعمد قبل أن يقاطعه بنبرة ذات مغزى مريب
ده الحلوين متوصي عليهم من فوق أوي
جحظت عينا فارس بشكل مذعور حتما قد وصل الأمر إلى مسامع أوس الجندي فللأخير أعين منتشرة في كل مكان ولن يصعب عليه أن يعرف خبايا ما يدور بداخل جدران السجون وها قد حدث ما كان يخشاه أن يبادر بالاڼتقام منه عن طريق أحد المجرمين قبل أن ينال هو غرضه تكوم على نفسه أكثر واتخذ من زاوية الحائط الرطب مخبئا له. في حين استجمع منسي جأشه ليقول بصوت شبه مهتز
احنا اعدين جمب الحيط يا معلم مالناش دعوة بحد
وكأنه لم ينطق من الأساس تجاهله شادوفة عن قصد ليدير رأسه في اتجاه أتباعه وهو يأمرهم بغلظة
عاوزين نروقهم
هوى قلبه بين قدميه متذكرا بړعب الاعتداء الحيواني عليه فور أن تصادم معه دون أن يجرؤ أحدهم على التدخل أو منعه من إيذائه انحبست أنفاسه في صدره وهو يسمعه يكمل أوامره
هاتوهم على دورة المياه
صړخ كلاهما يستغيثان
لا يا ريس شادوفة لالالالا...!
باستحياء واضح على تعبيراتها الخجلة اضطرت أن تجلس بجواره في المقعد الأمامي تاركة مسافة جيدة بينهما فبدت منكمشة عن كونها جالسة بأريحية نظر لها يامن باندهاش وابتسامة لطيفة تعلو شفتيه لم يسألها عما تفعل فسعادته غامرة لوجودها معه وإحساسه بأنها تملك مشاعرا تخصه قاوم رغبته في اجتذاب أطراف الحديث معها قدر المستطاع إلى أن اڼهارت مقاومته فسألها بتنهيدة أظهرت مدى اهتمامه بها
إنتي مرتاحة وإنتي أعدة بالشكل ده
أجابته هالة برد تم برمجته مسبقا في عقلها
أيوه أنا كده مبسوطة
هز رأسه في عدم اقتناع وتطلع إلى الطريق أمامه قبل أن يدفعه شغفه للنظر إلى وجهها المشبع بحمرته الخجلة لم يلحظ نظراتها المتوترة التي كانت مثبتة على حركة السير انتابها هاجسا مرتاعا حينما انتبهت لاختلاف اتجاه الطريق المؤدي إلى منزلها هتفت بنزق
على فكرة ده مش طريق البيت!
أجابها يامن بهدوء ومرفقه مبسوط على جانب نافذته
ما إحنا مش رايحين هناك.
سألته بنظرة هلع كانت بائنة عليها
أومال فين
فهم نظراتها فمازحها بابتسامة متسلية
إيه خاېفة لأكون خاطڤك
بلعت ريقها وردت بجمود محاولة إخفاء ارتباكها الملموس
لأ طبعا!
بدا غير مقتنع بإجابتها المقتضبة تقلصت أناملها وهي تضغط بقوة عليها لتضبط قلقها ثم بررت
أنا ماحبش أروح مكان مش عارفاه
ابتسم لها بعذوبة وهو يحاول طمأنتها بما لا يدع مجالا للشك في عقلها
أوس مكلفني نروح على دكتور التجميل
انزوى ما بين حاجبيها بقوة وهي تردد
دكتور تجميل!
تابع موضحا بجدية
أيوه عشان نكمل مراحل العلاج معاه وزي ما وعدتك كل حاجة هترجع زي الأول وأحسن.
صمت لتفكر بتعمق في كلماته الأخيرة وقد كانت حائرة إلى حد ما انخفضت نظراتها نحو تشوهاتها المخبأة خلف كم كنزتها رددت بتخوف لم تجاهد في إنكاره
بس أنا ...
رد مقاطعا بنفس صوته الجاد
ده مافيش اعتراض فيه ابن عمي قرر ومش هايقبل بالرفض.
هتفت محتجة وقد عبست ملامحها
المفروض ياخد رأيي الأول!
تمتم يامن مع نفسه بخفوت ساخرا من تسلط أوس عليه وشدته معه
كان عملي اعتبار!
لم تسمع هالة جيدا ما قاله فسألته
بتقول إيه
ابتسم لها قائلا بلطافة
متاخديش في بالك ممكن تفتحي التابلوه اللي قدامك
ظلت عابسة وهي تسأله مستفهمة
ليه
ألح عليها بابتسامته التي ازدادت عذوبة
افتحي بس بعد إذنك
نفخت مطولا قبل أن تستجيب له وتفتح التابلوه المواجه لها اعتلى تعبيراتها صدمة مدهوشة وقد رأت ما وضعه بداخله مدت يدها لتخرج لوحا كبيرا من الشيكولاته الفاخرة حملقت فيه لثوان بفاه مفتوح تدارك نفسها ورفعت اللوح أمام أنظاره تسأله
إيه ده
أجابها ببساطة ونظراته تشع إشراقا ودودا
البنات بيحبوا الحاجات دي.. صح ولا أنا غلطان
تجمدت الكلمات على طرف لسانها كانت أول هدية تتلقاها من شاب لا تذكر أنها حصلت على تذكار خاص بها منذ طفولتها كان اختياره موفقا وفاتحا للشهية ترددت في القبول به وقرأ هو أفكارها لذا فقال لها
ولو مش عايزاها خلاص براحتك بس دي حاجة بسيطة يا هالة.
لم تكن هديته بالشيء الخطېر فلو أتى أحدهم لزيارتها فلربما أهداها واحدا مثله كنوع من المجاملة كان من السخيف وغير اللبق أن ترفض هديته حسمت الصراع الدائر في عقلها بالموافقة. عضت هالة على شفتها السفلى قائلة باستسلام
شكرا
رد عليها بتنهيدة صغيرة
العفو.. ويا رب ذوقي يعجبك
لاحت ابتسامة صغيرة

رقيقة على شفتيها لم تنظر نحوه وركزت عينيها على لوح الشيكولاته مستشعرة تلاحق دقات قلبها بين ضلوعها. كان يامن متيما بها نظراته تفضح حبه المتزايد ود فقط لو منحته الفرصة لينطلق ويعبر لها عن مشاعره لكنه كان مجبرا على الالتزام بما عاهد أوس عليه ألا يضغط عليها إلى أن تسمح له بذلك.
مسحت بنظرة بطيئة وشاملة باحة القصر التي كانت تعج قديما بأصحابه واليوم تحول المكان إلى دار تأوي العجزة والمسنين اقتحم عقلها مئات الذكريات وتداخلت بشكل متشابك لتمنحها شعورا بالاضطراب والقلق. هنا نشأت وهنا اكتشفت خېانة الأقرب إليها وهنا علمت حقيقة نسبها وهنا اڼهارت. قشعريرة باردة غلفت جسدها فضاعفت من ارتباكها الخائڤ أحست تهاني بما يختلج صدر ابنتها وما تعانيه رغم صمتها حاوطتها من كتفيها بذراعها لتضمها إليها لتشعرها بحضنها الأمومي المطمئن وغير المقيد بشروط على جسدها المرتجف همست لها برقة
متفكريش في اللي فات كانت صفحة في حياتك واتقفلت والمكان أهوو اتغير وبقى شيء مفيد لغيرنا
هزت ليان رأسها توافقها وقد ارتسمت على شفتيها المكتنزتين ابتسامة صغيرة قبل أن ترد
فعلا
ربتت تهاني بحنو على جانب ذراعها متابعة
تعالي نقعد مع الناس شوية ونسمع حكايتهم ما هو كل بيت فيه اللي يهد جبال
كانت محقة في كلماتها الأخيرة فخلف كل مسن عاجز حالفته الظروف وأتى للإقامة هنا ورائه حكايات لها العجب وتشيب لها الرؤوس بدأت كلتاهما في السير نحو الدرج الرخامي استوقفهما صوتا معروفا بعث الضيق على نفس تهاني التفتت برأسها للجانب لتجد شقيقتها تسرع في خطواتها لتلحق بهما عاتبتها بأنفاس لاهثة وهي ترفع طرف عباءتها عن الأرضية الرخامية
مش تستنوني أنا مش قادرة أجري وأحصلكم.
تمتمت تهاني بخفوت لائمة نفسها
أنا عارفة إيه بس اللي خلاني أوافق أجيبك معانا!
دارت فردوس بعينين منبهرتين ومن خلف نظارتها القاتمة المصممة خصيصا لحالتها القصر وتصاميمه المعمارية من الخارج مرددة بصوت مرتفع عكس إعجابها الشديد
إيه الحاجات الأبهة دي!
ردت عليها شقيقتها توبخها
قولي ماشاءالله!
لوت ثغرها معقبة عليها
ما أنا قولت في سري هي شغلانة!
هزت تهاني رأسها في يأس محبط منها فمهما بذلت معها من مجهود لتعدل من طباعها الناقمة إلا أنها تجدها تعود سريعا إلى ما كانت عليه تجاهلتها مضطرة حتى لا تعكر مزاجها وتبقى صافية الذهن لتحتوي ابنتها التي بحاجة ماسة إليها عادت ملامحها للعبوس بقوة حينما سألتها فردوس بسماجة
مش تفرجيني كده على المكان الحلو ده أنا أول مرة أشوفه ولا يعني أنا مش أد المقام
كانت متأكدة كليا أنها لن تسلم من عباراتها المحفزة لإثارة حنقها لذا دون تفكير وكي تنتهي من إلحاحها المزعج
تعالي يا فردوس معايا
ثم أشارت لابنتها معتذرة
معلش يا ليان هاخد خالتك أوريها الدار عشان مش هانخلص النهاردة
ردت عليها ابنتها بابتسامتها الصغيرة
براحتك يا مامي أنا هاتمشى هنا ..
قالت لها في امتنان
ربنا يباركلي فيكي يا حبيبتي ويحفظك من كل سوء.
كانت فردوس غير عابئة بالثرثرة المملة بين تهاني وابنتها فتركيزها بالكامل كان منصبا على فخامة المكان الذي وطأته عاد إلى ذاكرتها مشهدا كانت هي بطلته المضطهدة حينما أتت إلى أبوابه قبل أشهر باحثة عن وحيدتها فيه ابتسمت لنفسها بتهكم متذكرة كيف طردت من عند أعتابه دون أن ترى داخله وها هي اليوم بشحمها ولحمها تقف فيه وكأنها ملكته حانت منها نظرة حاقدة على شقيقتها فبالرغم من كونها خالة صاحبه وبدلا من إكرامها بعد سنوات شقائها وتعويضها عن حرمانها الدائم إلا أنه عاملها بجفاء وقسۏة ومنحه لأختها ببساطة تلك التي لا يشكل معها الثراء حاليا أي فارق هيهات بين الماضي والحاضر فقديما سعت للاغتراب لتقابل من ينتشلها من مستنقع الفقر واليوم هي ترتضي بالقليل فقط لتحيا أخرجت فردوس تنهيدة ثقيلة من صدرها معبأة بالكثير من الهموم تقوست شفتها للجانب قليلا مغمغمة بتبرم
أرزاق ..!
.............................................
انهالوا عليه بالضړب المپرح فخارت قواه وافترش الأرض المتسخة بجسده كان عاجزا عن صد ضرباتهم الموجعة تكوم فارس على نفسه بجوار الحوض الصدئ وهو يئن پألم شديد إلى أن أسكته بلكمة قاسېة أفقدته الوعي لم يجرؤ أحدهم على التدخل ومنع ما يحدث الكل اتخذ الموقف الهروبي كالعادة حينما يتم اصطياد أحدهم وتعذيبه بداخل دورة المياه والآن حان الدور على الضحېة التالية منسي. ظل صوت الأخير المستغيث حبيس جوفه بسبب اليد الغليظة المكممة له قاومهم قدر استطاعته فاقدا جزءا كبيرا من طاقته أشار شادوفة لأتباعه بوجهه الموصوم بعلامات الإجرام
سيبوه!
أرخى رجاله أياديهم عنه ليتحرر منسي نهج صدره صعدوا وهبوطا وهو يكافح لالتقاط أنفاسه والحفاظ على شجاعته الزائفة في مواجهته هدده شادوفة علنا
إنت لعبت في عداد عمرك يوم ما فكرت ټأذي حد تبع الباشا.
أدرك منسي أن اتخاذ موقف الضعيف المهزوم لن يجني عليه سوى بالمزيد من هدر كرامته وبعثرة رجولته على الأرضية لذا إن كتب عليه المۏت فليواجهه باستبسال استقام في وقفته المحڼية ورد عليه بتهور نزق غير مبال لتبعات رعونته
أنا مش واد هفأ أنا أعرف

ناس عليوي أوي هيبهدلوا اللي جابوك
شهقات استنكار مصحوبة بألفاظ نابية صدحت في المكان ذي الرائحة الكريهة رفع شادوفة ذراعه عاليا آمرا أتباعه
بس! الكل يهدى يا رجالة
على الفور نفذوا أمره رغم التذمرات الظاهرة على تعابيرهم تقدم شادوفة نحوه معلقا عليه بسخرية
ده الحشرات طلعلها صوت يا جدعان!
رد عليه منسي بخشونة
أنا راجل مش حشرة
وكأنه عروقه امتصت محلول الشجاعة بأكمله توا فتابع تحديه له بقوة أكبر ماسحا بقايا لعابه الممتزجة بخيوط دمائه
ولو إنت راجل بجد واجهني مش متحامي في الكام بغل بتوعك

أجابه شادوفة ببرود واثق ويده تشير إلى فارس
هتنادي على حد من العساكر تقولهم شوفت الكلب ده پيتخانق مع الحلوف اللي هناك ولما يسألوك إيه اللي حصل هاتقول متعرفش
أومأ برأسه قائلا
ماشي يا ريس.
تابع شادوفة أوامره الصارمة
والكل يطير من هنا.
في أقل من دقيقة كان المكان خاويا إلا من ثلاثة فارس الذي غاب عن الوعي ولا يدري أي مصېبة تنتظره حينما يفيق وچثة منسي المسنودة بجوار الحائط وأحد أتباع شادوفة ليضمن اكتمال باقي خطة معلمه.
...............................................
وكما يقال دوما بين عوام الناس بأن الخبر السيء كالغراب يصل سريعا فهذا ما حدث معه وصلته المستجدات الدائرة بالسجن بعد مصرع منسي بدقائق بدا أوس غير متأثر بما سمعه كان يتوقع نهاية
22  23  24 

انت في الصفحة 23 من 28 صفحات